فصل: تفسير الآيات (47- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (19):

{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} هذا خطاب خاطب الله به المشركين يوم القيامة أي: قد كذبكم آلهتكم التي عبدتم من دون الله، وتبرؤوا منكم. وقيل: هو خطاب للمعبودين: أي كذبوكم في هذه المقالة لما عبدوكم في الدنيا، وقيل: هو خطاب للمسلمين: أي قد كذبكم الكفار فيما تقولونه من التوحيد والشريعة، وقرئ بما يقولون بالياء من أسفل، والباء في قوله: {بِمَا تَقُولُونَ} على القراءة بالتاء بدل من الضمير في {كَذَّبُوكُمْ}، وعلى القراءة بالياء كقولك: كتبت بالقلم، أو كذبوكم بقولهم {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} قرئ فيما تستطيعون بالتاء فوق، ويحتمل على هذا أن يكون الخطاب للمشركين أو للمعبودين؛ والصرف على هذين الوجيهن صرف العذاب عنهم، أو يكون الخطاب للمسلمين والصرف على هذا رد التكذيب، وقرئ بالياء وهو مسند إلى المعبودين أو إلى المشركين والصرف صرف العذاب {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} خطاب للكفار وقيل: للمؤمنين وقيل: على العموم.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين} تقديره: وما أرسلنا رسلاً أو رجالاً قبلك، وعلى هذا المفعول المحذوف يعود الضمير في قوله: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام}، وهذه الآية ردّ على الكفار في استعبادهم بعث رسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} هذا خطاب لجميع الناس لاختلاف أحوالهم، فالغني فتنة للفقير، والصحيح فتنة للمريض، والرسول فتنة لغيره ممن يحسده ويكفر به {أَتَصْبِرُونَ} تقديره لنظر هل تبصرون.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
{لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} قيل: معناه لا يخافون، والصحيح أنه على بابه لأن لقاء الله يرجى ويخاف {لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا} اقترح الكفار نزول الملائكة أو رؤية الله، وحينئذ يؤمنون فرد الله عليهم بقوله: {لَقَدِ استكبروا} الآية: أي طلبوا ما لا ينبغي لهم أن يطلبوه، وقوله: {في أَنفُسِهِمْ} كما تقول: فلان عظيم في نفسه، أي عند نفسه أو بمعنى أنهم أضمروا الكفر في أنفسهم.

.تفسير الآية رقم (22):

{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
{يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} لما طلبوا رؤية الملائكة، أخبر الله أنهم لا بشرى لهم يوم يرونهم، فالعامل في يوم معنى لا بشرى، ويومئذ بدل {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} الضمير في يقولون إن كان للملائكة، فالمعنى أنهم يقولون للمجرمين حجراً محجوراً، أي حرام عليكم الجنة أو البشرى، وإن كان الضمير للمجرمين، فالمعنى أنهم يقولون حجراً بمعنى عوذاً. لأن العرب كانت تتعوّذ بهذه الكلمة مما تكره، وانتصابه بفعل متروك إظهاره نحو معاذ الله.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
{وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ} أي قصدنا إلى أفعالهم فلفظ القدوم مجاز، وقيل: هو قدوم الملائكة أسنده الله إلى نفسه لأنه عن أمره {فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} عبارة عن عدم قبول ما عملوا من الحسنات كإطعام المساكين وصلة الأرحام وغير ذلك، وأنها لا تنفعهم لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال، والهباء هي الأجرام الدقيقة من الغبار التي لا تظهر إلا حين تدخل الشمس على موضع ضيق كالكوة، والمنثور المتفرّق.

.تفسير الآية رقم (24):

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
{خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} جاء هنا التفضيل بين الجنة والنار، لأن هذا مستقرّ وهذا مستقرّ {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} هو مِفعل من النوم في القائلة وإن كانت الجنة لا نوم فيها، ولكن جاء على ما تتعارفه العرب من الاستراحة وقت القائلة في الأمكنة الباردة، وقيل: إن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} هو يوم القيامة وانشقاق السماء: انفطارها ومعنى بالغمام أي يخرج منها الغمام، وهو السحاب الرقيق الأبيض، وحينئذ تنزل الملائكة إلى الأرض.

.تفسير الآيات (27- 30):

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)}
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} عض اليدين كناية عن الندم والحسرة، والظالم هنا عقبة بن أبي معيط، وقيل: كل ظالم والظلم هنا الكفر {مَعَ الرسول} هو محمد صلى الله عليه وسلم، أو اسم جنس على العموم {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} روي أن عقبة جنح إلى الإسلام فنهاه أبيّ بن خلف فهو فلان، وقيل: إن عقبة نهى أبيّ بن خلف عن الإسلام، فالظالم على هذا أبيّ وفلان عقبة، وإن كان الظالم على العموم ففلاناً على العموم أي خليل كل كافر {وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} يحتمل أن يكون هذا من قول الظالم، أو ابتداء إخبار من قول الله تعالى، ويحتمل أن يريد الشيطان إبليس أو الخليل المذكور {وَقَالَ الرسول} قيل: إن هذا حكاية قوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وقيل: في الآخرة {مَهْجُوراً} من الهجر بمعنى البعد والترك وقيل: من الهجر بضم الهاء، أي قالوا فيه الهجر حين قالوا: إنه شعر وسحر والأول أظهر.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً} العدو هنا جمع، والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي بغيره من الأنبياء {وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} وعد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالهدى والنصرى.

.تفسير الآيات (32- 33):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} هذا من اعتراضات قريش، لأنهم قالوا لو كان القرآن من عند الله لنزل جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} هذا جواب لهم تقديره: أنزلناه كذلك مفرقاً لنثبت به فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم لحفظه: ولو نزل جملة واحدة لتعذر عليه حفظه لأنه أمي لا يقرأ، فحفظ المفرق عليه أسهل، وأيضاً فإنه نزل بأسباب مختلفة تقتضي أن ينزل كل جزء منه عند حدوث سببه، وأيضاً من ناسخ ومنسوخ، ولا يتأتى ذلك فيما ينزل جملة واحدة {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} أي فرقناه تفريقاً فإنه نزل بطول عشرين سنة. وهذا الفعل معطوف على الفعل المقدر، الذي يتعلق به {كَذَلِكَ} وبه يتعلق {لِنُثَبِّتَ} {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} ألآية معناه لا يوردون عليك سؤالاً أو اعتراضاً، إلا أتيناك في جوابه بالحق، والتفسير الحسن الذي يذهب اعتراضهم ويبطل شبهتهم.

.تفسير الآية رقم (34):

{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
{الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ} يعني الكفار، وحشرهم على وجوههم حقيقة لأنه جاء في الحديث؛ «قيل يا رسول الله: كيف يحشر الكافر على وجهه: قال أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادراً على أن يمشيه في الآخرة على وجهه» {شَرٌّ مَّكَاناً} يحتمل أن يريد بالمكان المنزلة والشرف أوالدار والمسكن في الآخرة.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}
{وَزِيراً} معيناً {إِلَى القوم} يعني فرعون وقومه، وفي الكلام حذف تقديره: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم.

.تفسير الآيات (37- 38):

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)}
{كَذَّبُواْ الرسل} تأويله كما ذكر في قوله في هود {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} [هود: 59] {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} يحتمل أن يريد بالظالمين من تقدم ووضع هذا الاسم الظاهر موضع المضمر لقصد وصفهم بالظلم، أو يريد الظالمين على العموم {وَأَصْحَابَ الرس} معنى الرس في اللغة: البئر، واختلف في أصحاب الرس: فقيل هم من بقية ثمود وقيل: من أهل اليمامة، وقيل: من أهل أنطاكية، وهم أصحاب يس، واختلف في قصتهم فقيل بعث الله إليهم نبياً فرموه في بئر فأهلكهم الله، وقيل: كانوا حول بئر لهم فانهارت بهم فهلكوا {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً} يقتضي التكثير والإبهام، والإشارة بذلك إلى المذكور وقبل من الأمم.

.تفسير الآيات (39- 44):

{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}
{ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} أي بيناً له {تَبَّرْنَا} أي أهلكنا {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية} الضمير في أتوا لقريش وغيرهم من الكفار، والقرية قرية قوم لوط، ومطر السوء الحجارة ثم سألهم على رؤيتهم لها؛ لأنها في طريقهم إلى الشام، ثم أخبر أن سبب عدم اعتبارهم بها كفرهم بالنشور. و{يَرْجُونَ} كقوله: {يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} [الفرقان: 21]، وقد ذكر {أهذا الذي} حكاية قولهم على وجه الاستهزاء، فالجملة في موضع مفعول لقول محذوف يدل عليه هذا، وقوله: {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} استئناف جملة أخرى وتم كلامهم، واستأنف كلام الله تعالى في قوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الآية على وجه التهديد لهم {اتخذ إلهه هَوَاهُ} أي أطاع هواه حتى صار كأنه له إله {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} لأن الأنعام ليس لها عقول، وهؤلاء لهم عقول ضيعوها، ولأن الأنعام تطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وهؤلاء يتركون أنفع الأشياء وهو الثواب، ولا يخافون أضرّ الأشياء وهو العقاب.

.تفسير الآية رقم (45):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)}
{أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ} أي إلى صنع ربك وقدرته {مَدَّ الظل} قيل: مدّة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأن الظل حينئذ على الأرض كلها، واعترضه ابن عطية لأن ذلك الوقت من الليل، ولا يقال ظل بالليل، واختار أن مدّ الظل من الإسفار إلى طلوع الشمس وبعد مغيبها بيسير، وقيل: معنى مد الظل؛ أي جعله يمتدّ وينبسط {وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً} أي ثابتاً غير زائل لكنه جعله يزول بالشمس، وقيل: معنى ساكن غير منبسط على الأرض، بل يلتصق بأصل الحائط والشجرة ونحوها {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً} قيل: معناه أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها، في سيرها على الظل متى يتسع ومتى ينقبض، ومتى يزول عن مكان إلى آخر، فيبنون على ذلك انتفاعهم به وجلوسهم فيه، وقيل: معناه لولا الشمس لم يعرف أن الظل شيء، لأن الأشياء لم تعرف إلا بأضدادها.

.تفسير الآية رقم (46):

{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)}
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} قبضه نسخه وأزالته بالشمس؛ ومعنى يسيراً شيئاً بعد شيء لا دفعة واحدة، فإن قيل: ما معنى ثم في هذه المواضع الثلاثة؟ فالجواب أنه يحتمل أن تكون للترتيب في الزمان أي جعل ألله هذه الأحوال حالاً بعد حال، أو تكون لبيان التفاضل بين هذه الأحوال الثلاثة: وأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني.

.تفسير الآيات (47- 49):

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)}
{اليل لِبَاساً} شبَّه ظلام الليل باللباس، لأنه يستر كل شيء كاللباس {والنوم سُبَاتاً} قيل: راحة وقيل موتاً لقوله: {يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ويدل عليه مقابلته بالنشور {الرياح بُشْرَى} ذكر في [الأعراف: 57] {مَآءً طَهُوراً} مبالغة في طاهر وقيل: معناه مطهر للناس في الوضوء وغيره. وبهذا المعنى يقول الفقهاء: ماء طهوراً، أي مطهراً، وكل مطهر طاهر، وليس كل طاهر مطهر {وَأَنَاسِيَّ} قيل: جمع إنسي، وقيل جمع إنسان، والأول أصح.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)}
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ} الضمير للقرآن، وقيل: للمطر وهو بعيد {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} أي لو شئنا لخففنا عنك أثقال الرسالة ببعث جماعة من الرسل، ولكنا خصصناك بها كرامة لك فاصبر {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} الضمير للقرآن أو لما دل عليه الكلام المتقدم.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)}
{مَرَجَ البحرين} اضطراب الناس في هذه الآية لأنه لا يعلم في الدنيا بحر ملح وبحر عذب وإنما البحار المعروفة ماؤها ملح، قال ابن عباس: أراد بالبحر الملح الأجاج بحر الأرض، والبحر العذب الفرات بحر السحاب، وقيل: البحر الملح البحر المعروف، والبحر العذب هو مياه الأرض، وقيل: البحر الملح جميع الماء الملح من الآبار وغيرها، والبحر العذب هو مياه الأرض من الأنهار والعيون، ومعنى العذب: البالغ العذوبة حتى يضرب إلى الحلاوة، والأجاج نقيضه، واختلف في معنى مرجهما، فقيل: جعلهما متجاورين متلاصقين، وقيل أسال أحدهما في الآخر {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً} أي فاصلاً بينهما وهو ما بينهما من الأرض بحيث لا يختلطان، وقيل: البرزخ يعلمه الله ولا يراه البشر.